• السعودية تصدت للأزمة العالمية من موقع قوة بسياساتها المالية

    19/08/2009

    السعودية تصدت للأزمة العالمية من موقع قوة بسياساتها المالية والنقدية 
     

    الأمير سعود الفيصل مترئسا وفد المملكة في الاجتماعات التشاورية لقمة العشرين التي عقدت في لندن أوائل العام الجاري، ويبدو وزير المالية د. إبراهيم العساف ود. محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد. «الاقتصادية»
    محمد البيشي من الرياض
     
     
     
     

    أجمع اقتصاديون سعوديون على أن تقرير صندوق النقد الدولي حول نتائج مناقشات مجلس إدارة الصندوق للتقرير الاقتصادي السنوي عن المملكة (تقرير المادة الرابعة)، حول متانة وقوة مركز الاقتصاد السعودي ليس عاديا ومفاجئا في هذا العام لأن هذا التأكيد يأتي مختلفا عن سابقه كونه يأتي بعد أن وصلت الأزمة العالمية ذروتها. وبين الاقتصاديون أن التقييم الإيجابي لمجلس المديرين التنفيذيين بصندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد السعودي جاء نتيجة الظروف المواتية لعوائد النفط التي ظلت متماسكة فوق حاجز 60 دولارا على الرغم من تراجعها خلال العام الجاري عن أعلى مستوى بلغه سعر برميل النفط في صيف عام 2008، والسياسة المالية والنقدية التي انتهجتها الحكومة خلال هذا العام الصعب. وتناول الاقتصاديون أهم ما تطرق إليه التقرير الذي تتحفظ الكثير من دول العالم على نشره، مشيرين إلى أن معظم البيانات الواردة تتفق والتحليلات الاقتصادية الداخلية.. وإليكم بقية تعليق الاقتصاديين السعوديين على ماجاء في تقرير صندوق النقد الدولي: عبد المحسن البدر، اقتصادي سعودي يقول «بخلاف تأكيد التقرير على متانة الاقتصاد السعودي عن طريق التأكيد على الدور الكبير الذي لعبته السياسات الاقتصادية والنقدية المحلية من تقليل تأثيرات الأزمة العالمية ، كذلك الاستشهاد بمؤشرات الاقتصاد الكلي وكذلك الإشارة إلى مركز المملكة من خلال تقرير أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي الذي يضع المملكة ضمن أفضل 16 اقتصادا من ناحية سهولة أداء الأعمال وكذلك تأكيد الريادة من خلال ارتفاع التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 23 مليار دولار أمريكي على الرغم من الأزمة المالية العالمية. بخلاف ما ذكر فإن التقرير حمل بعض التغيير في وجهة نظر التقرير عن بعض توصياته أو ملاحظاته الصادرة في تقرير العام الماضي». ويقول البدر «لعل أهم الملاحظات تأتي من خلال رؤية المديرين في التقرير لربط الريال بالدولار ، فعلى الرغم من تأكيد التقرير عن فوائد الربط خلال الفترة الماضية وهي نفس توصية تقرير العام الماضي ، إلا أنه يرى أن تعتمد العملة الخليجية الموحدة نظاما أكثر مرونة لسعر الصرف».
    وهنا يرى البدر أن هذه التوصية تعني بشكل غير مباشر توصية بإعادة النظر في ربط الريال بالدولار من حيث نظام أكثر مرونة لسعر الصرف وفق متغيرات الوضع الاقتصادي العالمي، مشيرا إلى أن المتغيرات الاقتصادية العالمية الحالية التي أسهمت و تسهم في تخفيض قيمة الريال أمام العملات العالمية لا يخدم الاقتصاد خصوصا في ظل ما نراه من انتفاء الميزة النسبية للانخفاض في دعم صادرات المملكة في ظل الإجراءات الحمائية التي بدأت بعض الدول في تطبيقها. ونوه البدر إلى أن التقرير حمل تأكيدا على سلامة السياسات الاقتصادية من ناحية الإنفاق الحكومي في حين أن تقرير العام الماضي أشار ضمنا إلى ضرورة ترشيد الإنفاق، وكذلك أوصي باستحداث ضريبة على القيمة المضافة ، في حين لم يشر لها في تقرير هذا العام كتوصية لتنويع إيرادات الخزانة العامة. من ناحيته علق الدكتور مقبل الذكير، كاتب اقتصادي، على تقرير صندوق النقد الدولي، بالإشارة إلى أن التقييم الإيجابي لمجلس المديرين التنفيذيين في صندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد السعودي، جاء نتيجة الظروف المواتية لعوائد النفط التي ظلت متماسكة فوق حاجز 60 دولارا على الرغم من تراجعها خلال العام الجاري عن أعلى مستوى بلغه سعر برميل النفط في صيف عام 2008م. وزاد «ساعدت هذه العوائد السلطات الاقتصادية على الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الهادفة لزيادة نسبة إسهام القطاع الخاص في تكوين الناتج المحلي، فضلا عن تبني سياسات مالية ونقدية مناسبة لمواجهة انعكاسات أزمة المال العالمية على الاقتصاد السعودي». وتناول الذكير إشادة التقرير بصفة خاصة بالمؤشرات الاقتصادية الكلية عام 2008م، التي كانت إيجابية بشكل عام من حيث نمو الاقتصاد بنسبة 4.4 في المائة، واستمرار تراكم الفوائض المالية، ونمو الإنفاق الحكومي، وتخفيض الدين العام لمستويات قياسية (13،5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتحسن بيئة ممارسة أنشطة الأعمال، مشيرا إلى أن ثمن هذا الرواج كان ارتفاع معدل التضخم حيث بلغ أعلى معدلاته آنذاك لأسباب خارجية ومحلية. وتابع الذكير «على الرغم من ظروف الكساد العالمي، توقع تقرير الصندوق استمرار الآفاق الإيجابية للنمو الاقتصادي وتراكم الفوائض المالية في الخزانة العامة وزيادة الإنفاق الحكومي حتى نهاية عام 2009م، وإن كان بوتيرة أقل بسبب ظروف هذا الكساد العالمي. أما التضخم فالمتوقع تراجع معدله إلى نحو 4,5 في المائة». وأوضح الكاتب الاقتصادي إن تأكيد صندوق النقد الدولي على قوة مركز الاقتصاد السعودي في مواجهة أزمة المال العالمية، هي شهادة تجير لاقتصادنا ولسياساتنا، والمأمول أن تشجع هذه الإيجابيات على استمرار قوة دفع الإصلاحات في قطاعات القضاء والتعليم والصحة والإسكان والخدمات المالية والمصرفية، من أجل ضمان تهيئة مناخ أفضل لمواصلة نمو القطاع الخاص، الذي سيعتمد عليه كثيرا في توليد مزيد من فرص العمل لمواجهة معدل البطالة المرتفع . أما فيما يتعلق بدور المملكة القيادي والمسؤول تجاه تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، فقد أشار الذكير إلى أنها سياسة قديمة وثابتة للمملكة. وآية ذلك استمرارها في تنفيذ خطط التوسع في الطاقة الإنتاجية رغم انخفاض أسعار النفط. ومواصلتها، من ناحية أخرى، تقديم مساعداتها السخية للبلدان النامية سواء في مجال الطاقة أو الغذاء خاصة في ظل صعوبات أزمة الركود الراهنة. ونوه الذكير إلى أن هذه الإشادات لم تأت من فراغ، ولا مجال فيها للمجاملة. ومع كل ذلك، فمن الحكمة تذكر أن اقتصادنا ما زال يواجه تحديات اقتصادية جسيمة في مجالات عديدة فرضها معدل نمو السكان العالي، منها تحديات البطالة، والإسكان، والخدمات التعليمية والصحية والبلدية. كما ينبغي علينا الاستعداد من الآن لمخاطر التضخم العالمي القادمة والمترتبة على برامج الإنفاق الحكومي الأمريكي الهائلة، طالما استمر ربط الريال بالدولار. وأضاف «إذا كانت هناك مصلحة في استمرار هذا الربط كما يجادل البعض، فلنستعد من الآن ببرامج تعويض مناسبة للتدهور في الدخول الحقيقية الفردية، خاصة إذا رافق ذلك ارتفاع عوائد النفط كما هو متوقع. لقد شاهدنا كيف عطل هذا الربط من تأثير السياسة النقدية وجعلها أسيرة نظيرتها الأمريكية التي لا توافق بالضرورة مصالح الاقتصاد السعودي، كما أثبتت التطورات الاقتصادية في السنوات القليلة الماضية. فلتكن هذه الإيجابيات إذا، حافزا لمواصلة سياسات الإصلاح الهيكلية من أجل أفضل وأكفأ استغلال لموارد البلاد لمصلحة الأجيال الحالية والقادمة». في المقابل تناول سعود الجليدان، المتخصص في الدراسات الاقتصادية أولا وصف التقرير، حيث يقول «تنشر مشاورات المادة الرابعة لعدد كبير من بلدان العالم ولكن بعض الدول تتحفظ على نشر تقرير المشاورات الكاملة، والمملكة من بين الدول التي تتحفظ على نشر المادة الرابعة، ولهذا لا يتوافر عن المشاورات إلا نشرة مختصرة مكونة من عدة صفحات». ويصف الجليدان تقييم المجلس التنفيذي لسياسات المملكة بالإيجابية وخصوصاً في مجالات إدارة الاقتصادي الكلي، والتدابير النقدية، وتعزيز سيولة المصارف التي مكنت القطاع المصرفي حتى الآن من الإبحار بسلام خلال هيجان الأزمة المالية العالمية الحالية، مشيرا إلى رؤية بعض أعضاء المجلس التنفيذي ضرورة النظر في اعتماد سياسة سعر صرف أكثر مرونة. وهنا قال «أعتقد أن هذا الرأي له ما يبرره حيث أدت موجة التضخم الأخيرة إلى إبراز مصاعب الربط المطلق للريال مع الدولار ولولا الأزمة المالية العالمية لما تراجعت معدلات التضخم في المملكة «وكثير من دول العالم» إلى المستويات الحالية. ومع أن مؤسسة النقد العربي السعودي اتخذت إجراءات إدارية للسيطرة على التضخم إلا أنها لم تفلح وقت الفورة التضخمية في عام 2008م في الحد من التضخم. وقد يكون لتلك الإجراءات دور في الحد من التضخم فيما بعد، إلا أن السبب الحقيقي على ما أرى لتراجع التضخم هو الركود الاقتصادي العالمي الناتج عن الأزمة المالية العالمية». وأضاف «تأييد بعض المديرين التنفيذيين تبني سياسة صرف أكثر مرونة رأي سليم في ضوء تطورات الأزمة المالية العالمية التي قد تؤدي إلى إزاحة الدولار عن عرشه المنصوب منذ عشرات السنين على العملات العالمية». وقال الجليدان إن امتداح المديرين سعي المملكة لتوسيع طاقتها النفطية الإنتاجية يعكس مطالب العالم برفع الطاقة الإنتاجية لتلبية الطلب المتنامي على النفط عالمياً، مبينا أن المملكة تعي مسؤولياتها العالمية وستقوم برفع الطاقة الإنتاجية ولكن مقدار الزيادة في الإنتاج ينبغي أن يكون بالدرجة الأولى مبنياً على مصالح المملكة. وينبغي عدم المجازفة برفع الإنتاج والطاقة الإنتاجية بقوة لما قد يحدثه من أثر سيئ في الأسعار وبالتالي في إيراداتها النفطية طويلة الأجل. ووصف الجليدان توقع التقرير لبعض البيانات عن التطورات المالية والاقتصادية في المملكة، والتي من أهمها تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1 في المائة تقريباً وهو أمر متوقع بسبب الخفض الكبير الذي قامت به المملكة في الإنتاج النفطي لدعم الأسعار، بالمهمة، ولكنه زاد «ما لم يتطرق إليه ملخص التقرير هو بيانات الناتج المحلي الاسمي الذي من المتوقع أن يتراجع عن مستويات 2008م بما يتراوح ما بين 15 و20 في المائة في عام 2009م. ويعود هذا التراجع الكبير إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط وحجم الصادرات النفطية، والتراجع الكبير في أسعار البتروكيماويات». ووفق الجليدان «ورد في ملخص التقرير ارتفاع نسبة الإنفاق الحكومي من 29.6 في المائة في عام 2008م إلى 40.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009م. وهذا ناتج بالدرجة ألأولى عن تراجع الناتج المحلي الاسمي ثم عن الارتفاع بالإنفاق الحكومي الفعلي». تناول الاقتصادي الجليدان بعد ذلك ملخص التقرير الذي أشار إلى تحقيق فائض مالي وفائض في الحساب الجاري، مبينا أنه سيكون هناك عجز محدود في الميزان المالي وآخر في الحساب الجاري. فالزيادة في الإنفاق الحكومي والانخفاض في الإيرادات سيؤديان إلى وجود عجز مالي صغير في نهاية العام. وقد يتساءل البعض عن كيفية حدوث عجز مالي في ضوء أسعار نفط تتجاوز 70 دولاراً للبرميل. وهذا راجع إلى أن متوسط الأسعار في النصف الأول من العام كان أقل من 50 دولاراً للبرميل، كما أن الصادرات النفطية تراجعت بأكثر من 10 في المائة خلال عام 2009م، وفي الوقت نفسه من المؤكد أن يتجاوز الإنفاق الفعلي الحكومي في عام 2009م مستواه في عام 2008م. ولتحقيق توازن في الميزانية بحسب الجليدان يجب أن يتجاوز معدل أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2009م 80 دولاراً للبرميل. ومن غير المتوقع أن يتحقق هذا الرقم فيما تبقى من العام، ولهذا أعتقد أن بيانات الصندوق عن الميزان المالي متفائلة. أما بالنسبة للموجودات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي فقد توقع تقرير المشاورات أنها سترتفع في عام 2009م بنسبة تزيد على 8 في المائة على مستواها في عام 2008م. وهنا لا يتفق الجليدان مع تلك التوقعات إذ يشير إلى أنه يصعب تحقيق ذلك في ضوء الإنفاق الحكومي المرتفع والنمو الضعيف للإيرادات النفطية». وينطبق التحليل نفسه على توقع الصندوق بالحساب الجاري حيث قد يسجل أداءً سلبياً هذا العام بسبب التراجع الكبير في قيم الصادرات النفطية والبتروكيماوية. أما بالنسبة لتوقع معدلات التضخم فيعتقد الجليدان أن المعدل الذي أورده الصندوق سيكون قريباً من الذي سيسجل فعلياً في عام 2009م.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية